WorldRemitAds

هرجيسا (صوماليلاند) ـ من نورجيدي ـ في أحد شوارع مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم “أرض الصومال” (صوماليلاند)، يكتظ الزبائن في مقهى إثيوبي صغير، تفوح منه رائحة القهوة الحبشية، تشد انتباه المارة وعابري السبيل.

مشهد يبدو وكأن احتساء فنجان من القهوة الحبشية (الإثيوبية) يزيد من نشاط وحيوية أهالي عاصمة الإقليم الصومالي الذي يتمتع بحكم ذاتي، حتى صار البن الإثيوبي جزءاً من حياتهم اليومية.

ورغم صغر فنجان القهوة، إلا أن عبق رائحته ونكهته المتناثرة على محيط المقهى قد يأخذك جولة إلى أرض الحبشة (إثيوبيا)، جنوبي منطقة “كافا”، حيث اكتشف لأول مرة مطلع القرن السابع عشر.

SomlegalAds

مختار محمد، من رواد المقهى، يقول للأناضول، وهو يجلس في إحدى زاويا المقهى: “أقصد المكان ثلاث مرات يومياً، ليس فقط لاحتساء القهوة، بل أعشق أيضا رائحة البخور الزكية النابعة من مبخرة صغيرة تقدم للزبائن عادة قبل تحضير القهوة”.

ويضيف أنه، رغم أن كمية المشروب الساخن اللذيذ قليلة، إلا أن رشفتها للمرة الأولى تزيل عنك كل المتاعب، وكأنها تمتصها من جسدك كنزع الشعرة من العجين، على حد قوله.

وتدخل عملية إعداد “جابانة بنة”، وهو اسم القهوة الحبشية بلغة أهل البلاد، مراحل عدة، في أحد أركان المقهى وأمام مرأى جميع الزبائن.

تبدأ فتاة سمراء، ترتدي زياً تقليدياً يعكس روح الثقافة الإثيوبية، بإعداد القهوة، عبر غربلة البن من الشوائب، وتختار الصالح من سواه.

ومن ثم يتم غسلها وتوضع على إناء ليتم تحميصها على نار هادئة، بحرص شديد، حتى لا تفقد طعمها، بحسب الفتاة “أربيف” المكلفة بإعداد القهوة.

وأوضحت الفتاة، أن على المرأة التي تعد القهوة أن تمرر البن (المحمّص) على جميع المتواجدين بالمطعم ليشتموا رائحته الزكية، قبل أن تضعه في إناء مصنوع من الطين وتسكب فوقه كمية مناسبة من الماء الساخن.

وبعد لحظات وبعد أن تأخذ القهوة مذاقها الطبيعي، تقدم الفتاة، فناجين مملوءة بالقهوة للحاضرين، مرة واثنتين أو ثلاثة، حسب طلب الزبون.

كما لا يخلو المطعم من الذرة الطازجة، المعدة في قدر خشبي على الطريقتين الإثيوبية والصومالية معاً، والتي تقدم للزبائن، قبل احتساء القهوة، تفادياً لشربها على معدة فارغة كي لا تضر بالصحة والمعدة، بحسب القائمين على المطعم التقليدي.

ويصل سعر فنجان القهوة الواحد إلى نصف دولار، ويشمل ذلك الإضافات الأخرى، التي تقدم للزبون، ومنها الذرة الشامية الطازجة والمبخرة.

احتساء البن الإثيوبي ليس حكراً على الرجال في ذلك المطعم بأرض الصومال، فالجنس اللطيف أيضاً له حكاية عشق مع البن الإثيوبي.

تحرص النسوة على زيارة المطعم يومياً، ويفضلن احتساء القهوة التقليدية بطريقتهن الخاصة في مكان مخصص لهن يخيم عليه الهدوء.

حمدة عاغني، تقول للأناضول، وهي تحتسي قهوتها بهدوء، إنها تقصد المكان بصحبة زميلاتها لشم عبق البن الإيثوبي، مشيرةً أنه بالنسبة لهن مهدئ للأعصاب ويمد بالطاقة البدنية.

وتبيّن “عاغني” أن احتساء القهوة بات جزءاً من حياتها حيث تشكل الجلسة مع زميلاتها فرصة لتجاذب أطراف الحديث والضحك معاً.

ومع الأجواء ذاتها داخل المقهى، تمتزج جلسة احتساء القهوة بأغاني كلاسيكية إثيوبية، اختيرت خصيصاً لتطرب الزبائن، فيما يؤمن الأخيرون أنها تفتح الشهية وتنسيهم مشاكلهم.

من جهته، يقول صاحب المقهى، الذي يناديه الزبائن بـ”تيدي”، إن المقهى ليس مجرد محل تجاري، بل يشكل ثقافة متوارثة منذ القدم وتقليداً يومياً، يروي ثقافة أجدادنا.

ويشير إلى أن القهوة ليست وحدها المتوفرة بالمكان، وإنما يتم تقديم أيضا مأكولات إثيوبية مختلفة.

ويضيف تيدي “حريصون على خدمة زبائننا، وتقديم الأفضل لهم، وشرب القهوة يشمل جميع الفئات العمرية في أرض الصومال”.

ويرسم المقهى لوحته الخاصة به والتي يبدو فيها وكأنه قطعة من أرض الحبشة، بداية من الستار الملون بالعلم الإثيوبي الذي يقابلك بالمدخل، مروراً بالديكور الداخلي، وصولاً إلى الصور المعلقة بجدران المطعم، التي تحاكي القهوة، وأينما ولّيت وجهك ترى تاريخ وثقافة أهل الحبشة.

وتنتشر المقاهي والمطاعم الإثيوبية بكثرة في “أرض الصومال”، وتحظى بإقبال واسع، حيث يفضل الكثيرون القهوة، التي لا تتوافر في المطاعم الأخرى.

وتوجد عدة أقاليم في الصومال تتمتع بحكم ذاتي، وتسعى لإنشاء دول منفصلة عن الصومال أبرزها “صومالي لاند” (أرض الصومال)، لكنها لا تحظى باعتراف دولي، وذلك منذ دخول البلاد في حرب أهلية في بداية تسعينات القرن الماضي، عقب سقوط نظام الرئيس سياد بري.(الأناضول)

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.